مقدمة
التعلم الذاتي Self Learning من سمات التعلم في العصر الحديث، حيث يقوم الأفراد بتعليم أنفسهم، للوصول لتحقيق أهداف محددة في حياتهم العملية، ومن ثَم فإنه كان ولابد من التوجه لمعرفة ما هي الطريقة التي يمكن اعتمادها للاستفادة القصوى من التعلم الذاتي، حيث أن منصات ومصادر التعلم الذاتي كثيرة ومتشعبة ومتنوعة، مما يجعل عملية التعلم مليئة بالتشتت والعشوائية والارتجالية.
في البداية سوف نستعرض معا ما هو الفرق بين التعلم الذاتي والتعلم الأكاديمي ؟ ….
ما هو الفرق بين التعلم الذاتي والتعلم الأكاديمي؟
بالنسبة للتعلم الذاتي يمكنك اختيار ما تتعلمه بنفسك، وكذلك يمكنك اختيار المصادر بمنتهى الحرية وأسلوب التعلم، علاوة على اختيارك للوقت المناسب لظروفك وحياتك، أو الطريقة التي تناسبك مقروءة كانت أو مسموعة أو مرئية.
وعلى العكس من ذلك فإن التعليم الأكاديمي يفرض عليك منهجية محددة ومصادر بعينها وأسلوب وزمن محددين.
وكما أن للتعلم الذاتي مزايا، كالمرونة والحرية في اختيار المصادر والمدة الزمنية وتحديد وقت التعلم، فإنه له أيضًا عيوب مثل مواجهة صعوبة في تحديد مصادر التعلم خاصةً في بداية رحلة التعلم، وذلك لأنك في البداية لست على دراية كافية لتحديد أفضل المصادر المناسبة.
أما التعليم الأكاديمي فإن هناك خبراء متخصصون هم الذين يختارون المصادر التعليمية، وذلك بناء على خبرتهم العلمية والعملية.
واجمالأ فإن التعلم الذاتي يكون فيه الالتزام بخطة التعلم غير واضحة، وذلك لأنه ليس عليك الالتزام تجاه جهة معينة بخطة التعلم، بينما على العكس من ذلك فإن التعلم الأكاديمي عليك الالتزام بفصول دراسية لها توقيتات محددة، علاوة على أنه هناك اختبارات لقياس فاعليته في مواعيد ثابتة، وعدم إلتزامك في تخطيها له عواقب، تجعل معظم الناس على قدر من المسئولية تجاه التعلم الأكاديمي.
وبصرف النظر عما ذكر سابقًا من مزايا وعيوب عملية التعلم الذاتي.
فأنت في هذا العصر لا تمتلك رفاهية الاختيار بل أصبحت مُجبر على التعلم الذاتي
فهناك الكثير من المهارات المهمة لن تجد جهة تعليمية تقدم لها مسار أكاديمي، وإن وجدت فإنك ستجد أن تعلم هذه المسارات يكلفك تكلفة كبيرة، بالإضافة إلى أن بعضها سيحمل خلال تعلم هذه المسارات مسارات أخرى أنت لا تحتاج لها ولا تملك حرية رفضها، ومن ثَم تفرض عليك ميقات زمني محدد لإنهائها.
ولأنك وصلت معي إلى هذا الجزء من المقال فأنت بالفعل تدرك أهمية التعلم الذاتي جيدًا، ولكن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها أنه لا توجد منهجية واضحة للتعلم الذاتي، فالتعلم الذاتي يتم العمل به بشكل ارتجالي أو عشوائي، وغالبا لا تُحسن اختيار المصادر التي تتعلم منها.
كذلك لا يوجد لديك تصور واضح للمدة الزمنية التي تقضيها في التعلم، فيمكنك أن تقوم بذلك بشكل متقطع يفقدك الكثير مما تتعلمه كما أنه ليس لدى البعض منا منهجية الحفظ واسترجاع المعلومات، كذلك إن واجه أحدنا صعوبة في حفظ بعض الأشياء، فإما يتجنبها أو يحبط ويتوقف عن التعلم.
وغيرها من الأمور التي تمثل عقبات وتقلل من النتائج التي نحصل عليها جميعًا من التعلم الذاتي.
وهنا يأتي دور منهجية التعلم الذاتي الفائق ……
وقبل التعرف على هذه المنهجية لابد أولًا من معرفة معنى مصطلح التعلم الذاتي الفائق.
ما هو التعلم الذاتي الفائق Ultralearning؟
(هو استراتيجية للتعلم الموجه المكثف ذاتيًا)
أي أنه منهجية للتعلم تتكون من مجموعة من المبادئ والخطوات والنصائح التي تساعدك على التعلم بفاعلية وعمق، وذلك لتحقيق أهدافك الخاصة من التعلم.
خطة شاملة للتعلم الذاتي الفائق بسرعة وفاعلية، وتتضمن هذه الخطة المحاور التالية:
- مشاريع التعلم
- خطة التعلم Metalearning
- التعلم بتركيز
- التطبيق المباشر
- الحفظ والاسترجاع
- التعامل مع الجزيئات الصعبة
- الفهم العميق
- التجريب
البعض منا يقرأ كتاب عن موضوع محبب له ليتعلمه، ومن ثم يقرأ الكتاب كل عدة أيام أو يقرأ منه عده صفحات يوميًا، أو يتابع عدة قنوات على اليوتيوب يمكن أن تساعده في تعلم مهارة ما، وكل فترة زمنية يشاهد فيديو من هذه القنوات ويعتبر نفسه بهذه الطريقة أنه يتعلم ذاتيًا.
ولكن على العكس هو بهذه الطريقة يقوم بعملية تسمى (الاطلاع) فيبدأ في تعلم كتاب آخر في نفس الموضوع، فيتوقف عن قراءته للكتاب الأول، ويمكن أن يتوقف لفتره طويلة عن القراءة، فيجد صعوبة للرجوع واستكمال ما بدأ أو يتفاجئ بصعوبة فهم الكتاب، وحتى إن أكمل الكتاب فلن يستطيع أن يختبر استيعابه أو تطبيق ما تعلم، ويضيع أثر التعلم الذاتي بدون اختبار للمعرفة والتطبيق.
(أول خطوة تجاه تعلم ذاتي صحيح هو اعتماد رحلة التعلم كمشروع له خطة زمنية وأهداف واضحة ومحددة تسعى لتحقيقها)
وليس مجرد نشاط هامشي جانبي رهين الظروف والحالة المزاجية، والخطة الزمنية تكون من خلال تحديد خطة زمنية يومية وأسبوعية وشهرية للتعلم، أي الأساس ألا تترك الأمر للظروف والحالة المزاجية للتعلم.
أما بالنسبة لأهداف التعلم فلابد أن تكون واضحة ومحددة وقابلة للقياس، فمثلًا لا يمكن أن يكون هدفك اتقان اللغة الانجليزية فقط في المطلق، فهذا الهدف ليس محدد ولا يمكن قياسه، في حين لو حددت هدفك في حفظ 1000 كلمة جديدة أو اجتياز مستوى معين هذا هدف واضح ومحدد وقابل للقياس.
يفضل أن تربط هدفك بمصدر تعلمك، بمعنى أنه لو كان مصدر تعلمك مثلًا كورس أو كتاب، فيصبح هدفك الإنتهاء من هذا المصدر.
ويفضل أن يكون هدف التعلم محدد وصغير لسهولة الانتهاء منه، فلا تحدد مشروع تعلم ضخم، ولكن قسمه لمشاريع تعلم صغيرة بدل من انجازها في سنوات تستطيع انجاز مشروع تلو الآخر في اسابيع قليلة مما يجعلك تتلافى الإحباط.
فالنصيحة المهمة: هي أن تقوم بدراسة مشروع تعلم واحد في تخصص محدد، وتقسمه على مشاريع صغيرة ولا تشتت نفسك في أكثر من مشروع تعلم ذاتي، خاصةً عندما يكون لديك أعباء والتزامات أخرى، حتى وإن كان لديك الوقت لتعلم أكتر من مشروع فلا أنصحك بذلك.
فمن الأفضل التركيز على تعلم مشروع واحد بشكل مكثف والانتهاء منه في مدة زمنية قصيرة، ثم بعدها الانتقال لمشروع آخر جديد.
وخلاصة ما سبق هو التعامل مع التعلم الذاتي بجدية تامة كأي مشروع هام في حياتك، واعتباره مشروع بخطة واضحة يجب الالتزام بها، والتوقف عن التعامل مع التعلم الذاتي على أنه مشروع جانبي هامشي في حياتك.
وفي المقالة التالية سوف نتحدث عن طريقة وضع خطة للتعلم حسب المهارة التي قررت تعلمها.
كتبه؛ سمر فرج (Samar M Farag)