كيف تتعاملين مع نوبة الغضب عند طفلك؟
“أحياناً يقوم الأبناء بتربية الآباء”.
قد تبدو هذه الجملة مستفزة بشكل أو بآخر، وربما تثير الاستنكار لدى الكثير من القراء. لكن لو تمعنا بها، وقرأناها دون تحيز، لوجدنا أن التربية، لا تعني التسلط، أو التجبر، أو إلقاء الأوامر، بل ببساطة تعني:
(تنمية الوظائف الجسدية، والعقلية، والخُلقية حتى تبلغ كمالها).
التربية تعني الارتقاء بالجسد والأخلاق، إنها تعني ببساطة تهذيب فِكر الوالدين ليستطيعا التعامل مع أطفالهم، بشتى حالاتهم النفسية.
هنا في هذا المقال، سنتحدث مع الوالدين… سنخبرهم عن أسباب نوبة الغضب التي تصيب أطفالهم… وسنوضح كيفية التعامل معها… وسنشرح أفضل الطرق، لحلها بسلام.
نوبة الغضب عند الأطفال
قد لا نجد تعريفاً واضحاً، لنوبات الغضب لدى الأطفال، لكن قد نعبر عنها بالطريقة التالية:
“انفجار غير مسيطر عليه في مشاعر الأطفال بشكل حاد؛ كرد فعل يعبر عن إحباطهم تجاه موقف معين”.
عادة تحدث نوبات الغضب لدى لأطفال ما بين عامين، إلى أربعة أعوام. أما إن استمرت بعد عمر الخامسة، فقد تستمر طوال فترة الطفولة، وربما تحتاج لمساعدة من مختص.
يوجد الكثير من الأشكال لنوبة الغضب عند الأطفال، سنذكرها في الفقرة التالية.
أشكال نوبة الغضب عند الأطفال
تحدث نوبة الغضب عند الأطفال بأشكال وأحجام غير محدودة. لكن عادة لا تستمر لأكثر من ربع ساعة، ولا تتكرر في اليوم الواحد أكثر من مرة واحدة.
فيما يلي أكثر الأشكال شيوعاً لنوبات الغضب، بكل تأكيد مر عليكِ أحدها:
- الصراخ، والبكاء المفاجئ.
- تصلب في الأطراف.
- الركل، أو ضرب الأرض بأقدامهم.
- الاستلقاء على الأرض، والتدحرج.
- التعثر في الحركة، أو القفز بشكل حاد.
- الهرب بعيداً بشكل عشوائي.
- إلقاء الأشياء المحيطة بهم دون تمييز.
- التقيؤ.
- في حالات محدودة، يحبس بعض الأطفال أنفاسهم، ولكنهم يتراجعون ما أن يقتربوا من الاختناق.
- في حالات قليلة قد يؤذون أنفسهم، أو المحيطين بهم.
أسباب حدوث النوبة.
الآن وقد علمت سيدتي أن ما توجهينه هو نوبة غضب، إذن فلنفهم سببها. فكما ذكرنا سابقاُ أن نوبة الغضب عند الأطفال هي تفريغ انفعالي ناتج عن الإحباط. فقد تتفاجئين بردة فعل عنيفة من طفلك، إن لم يجد مفرداً ما ليشرح حالته.. أو فقد شيئاً ما ولم يستطع العثور عليه.
ربما لم يستطع إكمال مهمة فُرض عليه تنفيذها بشكل مرضٍ له.. أو لا يريد أن يؤدي هذه المهمة من الأساس!
قد تحدث عندما يمرض، أو يُرهق، أو يشعر بالجوع. أو قد يغضب من رفضك لتلبية رغبة ما لديه، أو ربما يرغب بجذب الاهتمام له.
إن الأمر ليس خلل في التربية، وقيام الوالدين بواجباتهم تجاه أبنائهم. بل هو مزيج من سلوكيات المرحلة العمرية، مع طبيعة شخصيته، وعوامل خارجية تحفز حدوث تلك النوبات.
في حالات نادرة قد تكون النوبة ناتجة عن اضطراب فسيولوجي، أو سيكولوجي. ويمكن الاستدلال على هذه المشكلة إن تكررت النوبات أكثر من مرة في اليوم، وطالت عن خمسة عشر دقيقة.
هل من الممكن تجنب حدوث نوبة الغضب؟
من الممكن ومع معرفتك سيدتي لطفلك، أن تتجنبي حدوث نوبة الغضب، وذلك بأن تعرفي كيف ينبغي أن تتعاملي معها. حيث أنك لو علمت الأسباب التي تحفز حدوث تلك النوبات لدى طفلك، فقد تتجنبي حدوث المسبب. عدا أنك لو اتبعت الطرق التالية للتعامل مع نوبات الغضب عند الأطفال، فقد يقل حدوثها لدى طفلك.
كيف يمكنك أن تتعاملي مع نوبة الغضب عند طفلك؟
يمكنني أن أسكب لكِ الكثير من النصائح (وهو ما سأفعله) لكن مفتاح المشكلة بين يديكِ سيدتي. وذلك بمعرفتكِ لشخصية، وطبيعة طفلك. ومعرفة الدوافع التي قد تكون انعكاس لشخصيتك أنت (ربما حازمة أكثر من اللازم، أو متساهلة أكثر مما ينبغي).
لذلك وكنقطة ارتكاز أساسية لكل الطرق التالية، ينبغي عليك أن تلتزمي الهدوء، والمحافظة على ثبات أعصابك. فإن فشلتِ في ذلك، فلن تستطيعي احتواء طفلك بأي طريقة أخرى.
والآن سأذكر أكثر الطرق نجاحاً في التعامل مع نوبة الغضب عند الأطفال:
افهمي سبب حدوث النوبة
فإن كانت نوبة الغضب نتاج سبب ملموس مثل الجوع، أو التعب، أو الإرهاق… إلخ تجنبي هذه الدوافع لكيلا ينفجر الإحباط بطفلك، على شكل نوبة غضب.
تشتيت الطفل:
لقد بدأت نوبة الغضب وأخذ الطفل يصرخ، أو يركل، أو…. عندها بهدوء يجب أن تجدي مشتتاً خارجي له يجذب ذهنه عن الحالة التي هو عليها. فالطفل بطبيعته محدود التركيز. مثلا: “التلفاز يعرض برنامجك المفضل”، أو “انظر من النافذة، أليس هذا قط الجيران الضائع”. قد يجدي تغيير مكانه، أو القيام بأي نشاط جسدي يشتت انتباهه.
تجاهلي نوبة الغضب:
هذا الحل مجدي إن كان تصرف لا إرادي من الطفل لينال ما يريد. فقد يستغل بلا شعور، عاطفة الأم بتلك النوبات. فيلجأ إليها ليحصل على شيء ما، أو كي لا يفعل شيء من المفترض أن يفعله.
كل ما عليك سيدتي فعله هو أن تتجاهليه (طالما لم يؤذي نفسه والآخرين). ثم بعد انتهاء النوبة، تحدثي معه بهدوء، وأخبريه أن تصرفه غير مقبول، وأنه أبداً لن ينال ما يريد بهذه الطريقة.
حاولي أن تجعلي الطفل يفهم شعوره الداخلي.
تحدثي مع طفلك بهدوء، لتستوضحي منه سبب حدوث نوبة الغضب، وضحي له أن تصرفه غير مقبول. وضحي له أنه لو (طلب/ رفض) بتهذيب، أو شرح مشاعره المتأججة بشكل مباشر، لربما ينال شيء أفضل من ذلك السلوك الغير مقبول.
امنحيه المكافئة إن أحسن التصرف.
إن وجدت من طفلك سلوكاً جيداً، وقدره عالية على التحكم بمشاعره، فامنحيه المكافأة. امدحيه بكثرة على تصرفه الحسن، واغرسي فيه الرضا عن تصرفاته الجيدة، وقدرته على السيطرة على نوبة الغضب.
أشركيه في اتخاذ القرار.
فمثلاً خذي رأيه فيما يخصه من حلوى، أو مسليات، أو ثياب، أو إكسسوارات.
إن فعلت ذلك، فسوف يشعر طفلك بالسيطرة بشكل ما على دوافعه ومشاعره.
فلنكن إيجابيين في كثير من الأحيان.
أكثري من قول “نعم”، “موافقة”، “إنه قرار جيد”… امدحي خياره، ادعميه، عززي ثقته بنفسه، فكلمة “لا” الغير مبررة، تحبط الصغير (والكبير) وتدفعه ليعبر عن شعوره على شكل نوبة غضب.
احضنيه بشدة!
أحياناً يجدي الحضن القوي بحل المشكلة، خصوصاً إن بدأ الطفل بالتحطيم أو الركل. اقتربي من ظهره، ثم احضنيه بقوة. اهمسي بأذنه ببعض الكلمات المهدئة… اصبري وتحملي صراخه، وانفعاله، وحركته الغير مسيطرة، احتوي مشاعره حتى تخف نوبة الغضب.
الوقت المستقطع:
في هذه التقنية يمكنك أن تمنحي الطفل مهلة من الوقت ينفس بها عن غضبه، وذلك بالطلب منه بهدوء أن يتجه لمكان قد اخترته من قبل ليحتوي غضبه… مثلا كرسي، أو سجادة، أو أريكة. احسبي له وقت يلائم عمره، ثم إن هدأ فتحدثي معه بهدوء، وإن لم يستجب، فليجدد الوقت حتى يسيطر على نوبة الغضب.
وختاما سيدتي
تذكري أن نوبة الغضب أمر شائع لدى الكثير من الأطفال. وأن حدوثها ليس بسببك، أو ناتج عن فشلك، أو تقصيرك، أو إهمالك.
حددي أفضل استراتيجية مناسبة للتعامل مع نوبة الغضب لطفلك، ولتتعاملي مع كل موقف بما يناسبه. فتعاملك مع الطفل في المنزل، يختلف عن تعاملك معه في الخارج، لذلك كوني متأهبة دوماً لكل حالة.
أنت لا تتحكمين بمسبب نوبة الغضب، لكنك تستطيعين التعامل معها، تذكري دوماً أن طفلك كيان مستقل بفكره ومشاعره وتصرفاته.
لا تتألمي من تأخر ظهور النتائج الإيجابية، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت كي يصل الطفل لمرحلة مستقرة. فتلك النوبات قد تكون نتيجة عوامل كثيرة ومتراكمة، لذلك لا تحبطي، بل ثابري، حتى تصلي بطفلك لأفضل نتائج ممكنة.
لا يحق لأي شخص أن يحكم عليك، وعلى طفلك. أي نظرة جارحة، أو مستنكرة، أو محتقرة، فلتكن وكأنها لم تحدث… فما يهم هو صحة طفلك النفسية، وقوتك في التعامل معها.
تذكري دوماً أنك أُم رائعة، مكافحة، وبطلة.