خلال السنوات السابقة كان مفهوم التطور الرقمي في مجال التجارة الإلكترونية يُنسب إلى الدول الغربية، نظراً لأنها كانت تبدي اهتماماً متزايداً برقمنة الحياة اليومية، لكن المشهد اختلف اليوم وأخذت الموازين بالتغير وأصبح للشرق الأوسط حصةً في هذا التحول.
حيث تطور مجال التجارة الإلكترونية في السعودية بشكل ملفت للنظر خلال السنوات المنصرمة، لتكون ضمن أبرز 10 دول تطورًا في مجال التجارة الإلكترونية، إلى جانب تقدمها في الترتيب العالمي، لتحل في المركز الـ49 متقدمة 3 مراكز على المؤشر العام.
وفي هذا المقال، سوف نستكشف الوضع الحالي للتجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية والعوامل التي ساعدتها على النمو بهذا الشكل المتزايد.
الوضع الحالي للتجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية
شهد سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مع زيادة المبيعات عبر الإنترنت وزيادة كميات وأنواع المنتجات والخدمات المتاحة للمستهلكين، وفي عام 2022 قدرت قيمة سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية بحوالي 9.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 22.8 مليار دولار بحلول عام 2025 ، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 19.5٪.
العوامل التي ساعدت في نمو التجارة الإلكترونية في السعودية
لقد كان ازدهار التجارة الإلكترونية في السعودية ناتجاً عن اجتماع العديد من الأسباب التي ساهمت في تطور هذا المجال بشكل ملحوظ، وهذه بعض أبرز الأسباب:
زيادة انتشار الإنترنت
تفتخر المملكة العربية السعودية بواحد من أعلى معدلات انتشار الإنترنت في المنطقة والشرق الأوسط، مع وصول أكثر من 98٪ من السكان إلى الإنترنت في عام 2022، وقد لعب هذا دوراً حاسماً في نمو سوق التجارة الإلكترونية، حيث يمكن لعدد أكبر من الأشخاص الآن الوصول إلى منصات التسوق عبر الإنترنت.
براعة فئة الشباب في استخدام التكنولوجيا
تشير أحدث الإحصائيات إلى أن غالبية سكان المملكة العربية السعودية من الشباب، لاسيما أن هناك حوالي 60٪ من السكان تحت سن 30، حيث ساهمت هذه الفئة البارعة في استخدام التكنولوجيا إلى تبني مجال التجارة الإلكترونية في السعودية، مما أدى إلى زيادة الطلب على التسوق عبر الإنترنت والخدمات الرقمية المتنوعة.
الدعم الحكومي
نفذت حكومة المملكة العربية السعودية مبادرات مختلفة لتعزيز التحول الرقمي، كجزء من خطة رؤية 2030 الطموحة ( خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية )، كما يشمل ذلك الاستثمارات في البنية التحتية وأنظمة الدفع الرقمية والإصلاحات التنظيمية لدعم نمو قطاع التجارة الإلكترونية.
المساهمين الرئيسيين في سوق التجارة الإلكترونية في السعودية
يتنافس العديد من المساهمين المحليين والدوليين في مجال التجارة الإلكترونية على حصة السوق في المملكة العربية السعودية، حيث يقدمون مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات للمستهلكين، وهؤلاء هم بعض المنافسين الحصريين:
Souq.com
استحوذت أمازون على Souq.com في عام 2017 مقابل 580 مليون دولار، وهي واحدة من أكبر منصات التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط، حيث تقدم مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك الإلكترونيات والأزياء والأجهزة المنزلية وغيرها الكثير، وفي عام 2020، تم تغيير العلامة التجارية Souq.com إلى Amazon.sa في المملكة العربية السعودية.
Noon.com
تم إطلاق Noon.com في عام 2017 من قبل رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية محمد العبار، وهي إحدى منصات التجارة الإلكترونية التي حققت نمواً سريعاً في الشرق الأوسط، لاسيما مع وجود قوي في المملكة العربية السعودية، و تقدم هذه المنصة مجموعة واسعة من المنتجات بما في ذلك الإلكترونيات والأزياء ومستحضرات التجميل والمنتجات الأخرى المتنوعة.
Haraj.com.sa
تعد هذه المنصة واحدة من أشهر أسواق التجارة الإلكترونية في السعودية، حيث تركز Haraj.com.sa على بيع المنتجات المستعملة، بما في ذلك السيارات والإلكترونيات والأثاث وغيرها، وتعمل المنصة على نموذج الإعلانات المبوبة (إعلانات يتم وصف تفاصيلها بشكل قصير وشامل)، مما يسمح للمستخدمين بنشر وتصفح القوائم بشكل مجاني.
Jarir Bookstore
في البداية كانت جرير عبارة عن مكتبة، ثم توسعت لاحقاً لتصبح بائع تجزئة متعدد الخواص، حيث تقدم مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك الإلكترونيات واللوازم المكتبية والألعاب، ويعتبر متجر الشركة عبر الإنترنت مكملاً لشبكتها الواسعة من المتاجر الفعلية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
Namshi
تعد شركة نشمي إحدى الشركات الرائدة في مجال بيع الأزياء عبر الإنترنت في الشرق الأوسط، حيث تقدم مجموعة فريدة من الملابس والإكسسوارات ومنتجات التجميل من العلامات التجارية المحلية والدولية الشهيرة، كما تحظى نمشي بشعبية خاصة بين المستهلكين الشباب المهتمين بالموضة في المملكة العربية السعودية.
العوامل التي ساعدت على نمو التجارة الإلكترونية في السعودية
يتطور سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية نتيجة مجموعة من محركات النمو التي ستستمر في التأثير على تطور هذا المجال في السنوات القادمة، وتشمل أبرز عوامل النمو الرئيسية ما يلي:
انتشار الهواتف المحمولة
حسب الإحصائيات السنوية فإن المملكة العربية السعودية تتمتع بواحد من أعلى معدلات انتشار للهواتف الذكية، واحتلت المرتبة الثالثة على مستوى العالم، حيث يستخدم حوالي 72٪ من السكان الهواتف الذكية، وهذا يوفر قاعدة واسعة من المستخدمين للتسوق عبر الهاتف المحمول، والتي من المتوقع أن تمثل حصة كبيرة من معاملات التجارة الإلكترونية في السعودية مستقبلاً.
اعتماد المدفوعات الرقمية
يشهد اعتماد طرق الدفع الرقمية، مثل STC Pay وApple Pay ، تزايداً كبيراً في المملكة العربية السعودية، مما يوفر للمستهلكين خيارات دفع مريحة وآمنة للمعاملات عبر الإنترنت.
البنية التحتية اللوجستية
استثمرت الحكومة السعودية بكثافة في تحسين البنية التحتية اللوجستية، بما في ذلك إنشاء مناطق التجارة الإلكترونية و مجمعات الخدمات اللوجستية المخصصة، ومن المتوقع أن يسهل ذلك نمو التجارة الإلكترونية في المملكة من خلال تعزيز كفاءة عمليات التسليم وخفض التكاليف.
التحديات التي تواجه التجارة الإلكترونية في السعودية
يواجه سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية العديد من التحديات التي تسعى المؤسسات والشركات لإيجاد حلول فعلية لها، بما في ذلك:
ثقة المستهلك
على الرغم من نمو التجارة الإلكترونية في السعودية بشكل كبير، لا يزال بعض المستهلكين مترددين في التسوق عبر الإنترنت بسبب المخاوف بشأن جودة المنتج وأوقات التسليم وأمان عملية الدفع عبر الإنترنت.
المنافسة
يتسم سوق التجارة الإلكترونية في المملكة بتنافسية عالية، حيث يتسابق المساهمون المحليون ووالأجانب للحصول على حصة في سوق المملكة، ويمكن أن يشكل هذا تحدياً لتجار التجزئة والشركات الصغيرة الناشئة، والتي قد تكافح من أجل تمييز نفسها وجذب العملاء.
التجارة الإلكترونية من الشركات العالمية خارج المملكة
يلجأ العديد من المستهلكين السعوديين إلى تجار التجزئة الدوليين (من خارج المملكة ) للحصول على منتجات غير متوفرة محلياً بسهولة، مما يؤدي إلى توجيه حصة كبيرة من معاملات التجارة الإلكترونية التي تحدث خارج المملكة، كما يمكن أن يمثل هذا تحدياً لتجار التجزئة المحليين، الذين يجب عليهم التنافس مع العلامات التجارية العالمية والتنقل في لوائح الجمارك والاستيراد المعقدة.
الآفاق المستقبلية للتجارة الإلكترونية في السعودية
مع استمرار نمو سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية وتطوره، من المتوقع أن تشكل العديد من الاتجاهات والتطورات مسار هذا السوق في المستقبل:
البيع بالتجزئة متعدد المنافذ
مع استمرار ارتفاع توقعات المستهلكين، يتبنى تجار التجزئة في المملكة العربية السعودية بشكل متزايد استراتيجيات omnichannel التي تدمج تجارب التسوق عبر الإنترنت وغير المتصلة بالإنترنت، وقد يشمل ذلك استخدام التقنيات المتقدمة مثل الواقع المعزز وغرف القياس الافتراضية وخدمات النقر والتجميع.
الذكاء الاصطناعي والتخصيص
مع اشتداد المنافسة التجارية وتطور استراتيجياتها سيستفيد المساهمون في التجارة الإلكترونية بشكل متزايد من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتقديم تجربة تسوق مخصصة للعملاء، وقد يشمل ذلك استخدام روبوتات المحادثة التي تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي والتوصيات المخصصة وجهود التسويق القائمة على تحليل البيانات.
التجارة الاجتماعية
تلعب منصات التواصل الاجتماعي مثل Instagram و Snapchat و TikTok دوراً متزايد الأهمية في التأثير على قرارات الشراء لدى المستهلكين، ومن المتوقع أن يستفيد مساهموا التجارة الإلكترونية في السعودية من هذا الاتجاه من خلال دمج ميزات التجارة الاجتماعية في منصاتهم على السوشال ميديا، مما يسمح للمستخدمين بالتسوق مباشرة من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتوصيات المؤثرين.
التجارة الإلكترونية التي تحقق الاستدامة
مع تزايد الوعي بالقضايا البيئية وأهمية الاستدامة، قد يحتاج المساهمون في التجارة الإلكترونية إلى تبني ممارسات تضمن الاستدامة البيئية، مثل التغليف الصديق للبيئة، وتعويض الكربون ، وتعزيز المنتجات القادرة على الاستدامة.
التوسع في فئات المنتجات
أثناء نضوج سوق التجارة الإلكترونية، من المرجح أن يقوم تجار التجزئة بتوسيع عروض منتجاتهم لتلبية مجموعة واسعة من احتياجات المستهلكين، بما في ذلك الفئات المتخصصة مثل مستلزمات الحيوانات الأليفة والأطعمة المتخصصة ومنتجات تحسين المنزل.
في الختام أعطت التجارة الإلكترونية في السعودية فرصة كبيرة للتنمية والابتكار والريادة، ويعود الفضل إلى الدعم والتشجيع من قبل الجهات المعنية التي أثرت في هذا المجال ليصبح مورداً اقتصادياً هاماً.
ومن المتوقع أن ينتقل هذا المجال إلى مستوى جديد من التقدم الرقمي، نظراً للمبادرات الحثيثة التي تقدمها الحكومة السعودية بهدف الاستفادة من الإمكانات الهائلة للسوق، وتهافت رؤوس الأموال الأجنبية والشركات الناشئة للحصول على مكان هام في السوق السعودي الذي يمثل نقلة نوعية في اقتصاد الشرق الأوسط.
